شيرين العدوي تكتب : الرقص والعلم
فى مشهد آذى كل الأساتذة والمتابعين؛ ظهر شاب يعبر بطريقة فجة عن فرحته لحظة تخرجه برقصة أثارت استياء كل من شاهدها؛ حيث وقف أساتذته حاملين شهادته ينتظرون وصوله للمنصة لتسلمها كاظمين غيظهم وهم أصحاب القامات، بينما هو يرقص بشكل مقصود، ليقتل هيبة العلم ومكانة الأساتذة. فهل علم هذا الشاب أو زملاؤه المعنى الأسمى فى ارتداء الروب والقبعة الراقص بهما؟!
فى العصور الوسطى كانت الجامعات مرتبطة بالكنائس والأديرة، فكان الطلاب والأساتذة يرتدون ملابس تشبه ملابس رجال الدين، لتتماشى مع البيئة التعليمية الدينية، وكانت الأثواب والقباعات توفر الدفء فى المبانى غير المدفأة، كما كانت تميز طلاب العلم عن بقية الناس، وفى القرن الخامس عشر الميلادى بدأ اللباس الجامعى يتأثر بالموضة السائدة، فاستبدلت بالأثواب الثقيلة أخرى من الحرير، وأصبح الروب والقبعة رمزين للتخرج والتقدير العلمى و للحكمة والمعرفة، وفى القرن الثامن عشر ظهرت القبعة الأكاديمية المربعة بشكلها المعروف اليوم، وتميزت بوجود قمة مربعة مصنوعة من الكرتون أو مواد صلبة أخرى، تغطى بقماش مستدير يثبت على رأس مرتديها. كانت هذه القبعة تُعرف أيضًا باسم الهاش (mortarboard).
بحلول القرن التاسع عشر اعتمدت معظم الجامعات فى العالم الغربى القبعة المربعة كجزء أساسى من الزى الأكاديمي. وتم تحديد لون الشريط الذى يحيط بالقبعة أو الشرشيب المعلق عليها وفقًا للتخصص الأكاديمى أو الكلية التى يتخرج فيها الطالب، وفى الولايات المتحدة، كان هناك تقليد راسخ هو أن يبدأ الطالب بتثبيت الشرشيب على الجانب الأيمن من القبعة، ثم ينقله إلى الجانب الأيسر بعد التخرج، كدليل على الانتقال من طالب إلى خريج، ومع العصور الإسلامية الأولى كان حافظ القرآن يحمل المصحف على رأسه وهو يأخذ الإجازة تقديرا لمكانة كتاب الله، ثم استبدل بالمصحف قبعة يرتديها حافظ القرآن مزركشة بآيات مصنوعة من الحرير المذهب. فالتخرج لحظة الهيبة الكبرى، والمسئولية والتقدير والتحول من طالب علم إلى حامل علم وحكمة. إنها لحظة مقدسة رفعت طالب العلم لحامل الدين. فكيف يتحول الرمز إلى رقص؟
فى الآونة الأخيرة مع دخول السوشيال ميديا وصراع الحصول على اللقطة بدأ الطلاب بتقليد سلوكيات معينة متبادلين مقاطع الفيديو التى يظهر فيها طلاب يرقصون بشكل غير لائق خلال حفلات تخرجهم، هذا الانتشار أدى إلى تطبيع مثل هذه السلوكيات، حيث يراها الطلاب معتقدين أنها تصرفات خاصة بين الشباب الذين يبحثون عن هوية جماعية أو يسعون للانتماء إلى مجموعات معينة.
فعندما يشاهد الطلاب أقرانهم يرقصون بطريقة معينة ويتلقون ردود فعل إيجابية عبر الإعجابات والتعليقات، فإنهم يميلون إلى تقليد هذا السلوك ومع تكرار هذه المقاطع تصبح هذه السلوكيات مألوفة، مما يؤدى إلى تسطيح القيم الثقافية وتحويل بعض السلوكيات الغريبة إلى سلوكيات مقبولة. فإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة من خلال منظور نفسى، فربما هى تعبير عن رغبة الطلاب للتأكيد على فرديتهم وتميزهم.إنه إعلان عن الوجود، حتى لو كان ذلك من خلال حركات جسدية تُعتبر غير مقبولة. نحن لسنا ضد الفرح ولكن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب توازناً بين الحفاظ على القيم الاجتماعية وإتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن أنفسهم.