العشرية السوداء… اسوا عشر سنوات عاشها شعب الجزاير في ظل حكم الاسلاميين.. تقرير اعده الكاتب المصري اكرم الكراني
(1)نبذة عن الحقبة
في التسعينيات، انزلقت الجزائر إلى “مأساة وطنية”، استمرت لما يزيد على عقد من الزمن على خلفية صراع المجموعات المتطرفة مع السلطة، مما ترك ندوباً في المجتمع لم تندمل إلا بإجراءات عفو ومصالحة، لتبرز هذه التجربة القاسية أن الشعب الذي عايشها استحضر سيناريو ما يعرف بـ”العشرية السوداء”، خلال التحولات السياسية المفاجئة التي شهدتها البلاد طوال 33 سنة، وهو ما جنب الانزلاق إلى أي عنف محتمل.
لم تكن الحقبة السوداء في الجزائر سوى مرحلة لاحقة من أول اضطرابات عنيفة، اندلعت خلال فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1988 في أنحاء البلاد احتجاجاً على الظروف المعيشية الصعبة، أدت في النهاية إلى انهيار نظام الحزب الواحد الذي كان يحكمها منذ الاستقلال في عام 1962، لتكون المحرك الأول لتكريس التعددية الحزبية والإعلامية وتحرير الاقتصاد، أين اعتمد دستور جديد.
وعلى هذا النحو أتاحت لمختلف التيارات الأيديولوجية بما فيهم الإسلاميون دخول المشهد السياسي من أبوابه الواسعة بعدما كانوا ينشطون سراً، ومن هؤلاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة التي كانت ضالعة في المأساة الوطنية التي شهدتها الجزائر ما بين أعوام 1990 و2000.
(2)انتخابات ومفاجآت
وبدأت القصة من إجراء الانتخابات النيابية في الـ26 من ديسمبر (كانون الأول) 1991، وسط مفاجأة سياسية بتصدر الإسلاميين اللعبة مقابل تراجع الحزب الحاكم ممثلاً في جبهة التحرير الوطني، وهو مما دفع السلطات القائمة وقتها إلى “إنقاذ المسار الانتخابي” بإلغاء نتائج الاقتراع في يناير (كانون الثاني) 1992، بخاصة أن الفائز وعد بأنها ستكون آخر انتخابات تشهدها الجزائر بحجة إقامة “حكم شرعي”، ليتبعها ابتعاد بن جديد عن الحياة السياسية، وسط تضارب المعطيات حول ما إذا كان تنحى بملء إرادته أو أنه أجبر على الاستقالة من طرف السلطة الحاكمة ليبتعد عن الأضواء ويتوفى في السادس من أكتوبر 2012، في مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة الجزائر.
ويشار بالبنان إلى دور خالد نزار في إبعاد بن جديد من الرئاسة وهو الذي وصل هرم النفوذ في الجزائر خلال يوليو (تموز) 1990، عندما عينه الرئيس الراحل الشاذلي وزيراً للدفاع. وبحسب شهادة كاتب مذكرات الشاذلي، عبدالعزيز بوباكير فإن “أكبر خطأ ارتكبه هذا الأخير في حياته هو وضعه الثقة في خالد نزار وهذا ما قاله له الرئيس في اللقاءات العديدة التي جمعته به”. وتابع أنه لم يندم على الاستقالة بل اعتبر نفسه أرضى ضميره على حساب “عبودية السلطة والنفوذ”.
أما عباسي المدني، المتوفى في أبريل (نيسان) 2019، وعلي بلحاج مؤسسا جبهة الإنقاذ المحلة اللذين فاز حزبهما في الانتخابات بعد تهديداتهما فحكم عليهما القضاء بعقوبة السجن، إذ سلطت على الأول عقوبة في الـ16 من يوليو 1992 بالسجن 12 سنة بعد إدانته بـ”المساس بأمن الدولة” ليتم إطلاق سراحه عام 1997 لأسباب صحية، لكنه بقي تحت الإقامة الجبرية حتى انقضاء مدة سجنه عام 2004
ويشار بالبنان إلى دور خالد نزار في إبعاد بن جديد من الرئاسة وهو الذي وصل هرم النفوذ في الجزائر خلال يوليو (تموز) 1990، عندما عينه الرئيس الراحل الشاذلي وزيراً للدفاع. وبحسب شهادة كاتب مذكرات الشاذلي، عبدالعزيز بوباكير فإن “أكبر خطأ ارتكبه هذا الأخير في حياته هو وضعه الثقة في خالد نزار وهذا ما قاله له الرئيس في اللقاءات العديدة التي جمعته به”. وتابع أنه لم يندم على الاستقالة بل اعتبر نفسه أرضى ضميره على حساب “عبودية السلطة والنفوذ”.
.
وفي قلب هذه التطورات، فرض محمد بوضياف في التاسع من فبراير (شباط) 1992 الذي تولى رئاسة المجلس الأعلى للدولة بعد استقالة الشاذلي، إصدار مرسوم رئاسي يقضي بإعلان حالة الطوارئ، إذ اعتبرت هذه التدابير ضرورة لحماية الأرواح والممتلكات العمومية والخاصة بعد موجة العنف التي قادتها تنظيمات إرهابية وخلفت آلاف الضحايا.
وكان بوضياف أحد رموز العشرية السوداء الملقب بالسي (السيد) الطيب الوطني، الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية باعتباره أحد كبار رموز تلك الثورة، إذ كان قد عاد للبلاد بعد غربة دامت 27 عاماً.
وفاجأ مشهد تعرض الرئيس الرابع للجزائر محمد بوضياف، أثناء إلقائه خطابه في دار الثقافة بولاية عنابة شرق البلاد في الـ29 من يونيو (حزيران) 1992 للاغتيال على الهواء مباشرة، الجزائريين. ومن هنا بدأت ملامح العقد الأسود وتمثيلاتها، التي انتهت بحرب ضد الإرهاب، وفقدان نحو 150 ألف شخص أرواحهم، وتكبدت البلاد خسائر مادية وأضراراً في البنية التحتية بلغت قيمتها نحو 30 مليار دولار.
ويروي وزير الخارجية الجزائري والمبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي في برنامج تلفزيوني عن توليه رئاسة الدبلوماسية عام 1991، واصفاً تجربة الإسلاميين في إدارة شؤون في البلاد، بـ”الفاشلة”. وقال في هذا الخصو، “كنا في أزمة لم تتم معالجتها بطريقة حقيقية لأن جذورها كانت تعود إلى عام 1988، والانتخابات خلقت أزمة بعدما كان الظن أنها الحل للأزمة، لأن هؤلاء الإسلاميين يعتبرون أن الانتخابات سرقت منهم وكذلك فرصة حكم البلاد، ولم يقبلوا بهذا الواقع مما أدخلنا في دوامة حرب أهلية دامت 10 أعوام”.
وأكد المبعوث الأممي السابق أن وقف المسار الانتخابي كان سبباً في ما حصل في العشرية السوداء، إلا أنه اعتبر أن الإسلاميين كانت ميولهم دموية إذ اعتدوا على أحد المعسكرات وقتلوا فيه كثيراً من الأشخاص قبل تعطيل المسار الانتخابي.
(3)وقائع الغرق والنجاة
وبعدها دفع الجنرال خالد نزار الحاكم الحقيقي في تلك الفترة، كما كان يسمى الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي الذي توفي عن عمر ناهز 85 سنة في عام 2013، ليترأس المجلس الرئاسي من يوليو 1992 إلى غاية ديسمبر 1994.
وفي الأثناء تقرر في الشهر نفسه إقرار حظر للتجوال على الجزائر العاصمة والولايات المحيطة بها، ومع بداية العام الموالي أقر خالد نزار أيضاً تمديد حالة الطوارئ التي تواصلت إلى غاية عام 2013 لمدة قاربت 20 عاماً.
ولحل أزمة المرحلة الانتقالية لم يكن لخالد نزار الملقب بـ”منقذ الجمهورية من أفغنة مؤكدة”، وتوفي ديسمبر 2023، من حل سوى البحث عن رئيس وإلباسه بالشرعية فجاء الاختيار على وزير الدفاع الأسبق اليمين زروال الذي نزع البزة العسكرية وقام بتسيير شؤون البلاد طوال المرحلة الانتقالية، وبات أول رئيس للجمهورية انتخب بطريقة ديمقراطية في الـ16 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 وسط تشكيك المعارضة بأنها انتخابات مزورة، لكن في الـ11 من سبتمبر (أيلول) 1998 أعلن زروال إجراء انتخابات رئاسية مسبقة وبها أنهى عهده في الـ27 من أبريل 1999.
ومن حينها عاد زروال إلى منزله المتواضع في مسقط رأسه باتنة شرق الجزائر، الذي يمكث به حتى الآن، علماً أنه سن قانون الرحمة الذي صدر عام 1994 وتضمن خفض عقوبة من يسلم نفسه من المسلحين. ليعتلي بعدها الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة كرسي الرئاسة في عام 1999 وهو الذي لم يتنح عن السلطة إلا من طريق حراك شعبي آخر عرفته البلاد في 2019.
ومعه جاء قانون الوئام المدني عام 1999، ومما تضمنه عفو عن المتطرفين الذين يسلمون أنفسهم، بعد اتفاق تم بين السلطات وقادة الجماعات المسلحة حينها.
ومهد بوتفليقة لاستتباب الأمن بالمصالحة بعد أن نال مشروع قانون الوئام المدني في سبتمبر 1999 غالبية الأصوات، ثم الاستفتاء الشعبي حول “ميثاق المصالحة الوطنية” في سبتمبر 2005، الذي حصد شبه إجماع حوله، وهما مشروعان سمحا بعودة آلاف العناصر من التنظيمات المسلحة للحياة المدنية وفق تدابير قانونية.
وتكفل قانون الحالة المدنية بالأطفال المولودين لأبوين متطرفين في الجبال خلال العشرية السوداء، إذ حدد ميثاق السلم والمصالحة طرق التكفل بهذه الفئة. أما بخصوص المفقودين خلال ذات الفترة، فقد تم التكفل بما يفوق 7 آلاف حالة بعد موافقة الغالبية على الحلول المتعلقة بإجراءات التعويض.
وبالنسبة إلى السلطات كما الجزائريين فقد طوت البلاد هذه الحقبة السوداء من التاريخ، فشكلت أحداث ما يعرف باحتجاجات الزيت والسكر في 2011 والحراك الشعبي في 2019 فرصة لإثبات مناعة اكتسبها الشارع بنسف احتمال الانزلاق إلى العنف، فيما سعت الدولة قبل نحو عامين خلال حكم الرئيس عبدالمجيد تبون التحضير لإعداد قانون خاص، لفائدة المحكوم عليهم نهائياً أي سجناء التسعينيات، وهذا امتداد لقانوني الرحمة والوئام المدني. هؤلاء السجناء الذين يجهل عددهم الحقيقي كانوا أوقفوا وقتها في ظل حالة طوارئ وصدرت في حقهم أحكام بالسجن.
وترفض الجزائر نكء جراح تراها اندملت وهو ما برز من رد رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، على خرجة القضاء السويسري حين وجه لائحة اتهام إلى نزار تضم تهماً بارتكاب جرائم وذلك قبل وفاته بثلاثة أشهر.
وقال قوجيل الرجل الثاني في الدولة إن هناك من يريد إحياء ملف العشرية السوداء التي مرت على الجزائر، مشيراً إلى أن الشعب لن يسمح لأي أحد أن يتدخل في شؤونه الداخلية، وسيحل مشكلاته ..وحده
الحرب الأهلية الجزائرية أو العشرية السوداء في الجزائر هي صراع مسلح قام بين النظام الجزائري وفصائل متعددة تتبنى أفكارًا موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي، بدأ الصراع في يناير عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 1991 في الجزائر والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا مؤكدا حيث وعدت في الإنتخابات بإقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات ومنع تولي المرأة مناصب في القضاء والوزارات؛ لحرمة ولاية المرأة علي الرجل، واعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ورفض الاختلاط في المؤسسات، وإدانة الفساد، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ظلمًا فكسبت بذلك أصوات المتدينين، مما حدا بالجيش الجزائري التدخل لإلغاء الانتخابات البرلمانية في البلاد مخافة من فوز الإسلاميين فيها.
(4)انتخابات نزيهة؟؟
وبدأ الصراع في ديسمبر عام 1991، عندما استطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ هزيمة الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني في الانتخابات البرلمانية الوطنية. ألغيت الانتخابات بعد الجولة الأولى وتدخل الجيش للسيطرة على البلاد، وتم حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل الآلاف من أعضائها، وشنت الجماعات الإسلامية حملة مسلحة ضد الحكومة ومؤيديها، وقامت بأنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها، وأعلنت بعدها الحرب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد عقدها مفاوضات مع الحكومة عام 1994.
بعد انهيار المحادثات أجريت الانتخابات وفاز بها مرشح الجيش الجنرال اليمين زروال. بدأت الجماعة الإسلامية المسلحة وجماعة التكفير والهجرة التي أتخذت الجبال قاعدة للهجوم بسلسلة من مذابح تستهدف الأحياء أو القرى المؤيدة للحكومة بأكملها بلغ ذروته في عام 1997، وتسببت المجازر وارتفاع عدد الضحايا في إجبار كلا الجانبين إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة في عام 1997. وفي هذه الأثناء فاز الطرف المؤيد للجيش بالانتخابات البرلمانية.
في عام 1999 تم انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبدأ عدد كبير من المقاتلين بالإنسحاب والإستفادة من قانون العفو الجديد، وبدأت الجماعات تنحل وتختفي جزئيا بحلول عام 2002 وتوقفت عمليات القتال، باستثناء مجموعة منشقة تسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي انضمت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في أكتوبر 2003.